كانت هناك محادثه بين رجل مهمم و شيخ حكيم :
قال الراوي: جاءنا رجل مهموم و قد انهكته الغموم فهو من الحزن مكظوم
فقال: يا ايها الناس حل بنا البأس و ذهب منا السرور والايناس و تفرد بنا الشيطان فأسقانا سقيم الاحزان
فهل منكم رجل رشيد رأيه سديد يصرف عنا هذا العذاب الشديد
فقام شيخ ينوب عنا و هو اكبرنا سنا
فقال: ايها الرجل الغريب شأنك عجيب تشكو الهم و الوصب و الغم و النصب و اراك لم يبقي منك الا العصب
الا تدعو الرحمن....الم تقرأ القران
فانه يذهب الاحزان و يطرد الوحشة عن الانسان
ثم اعلم و افهم لتسعد و تسلم ....ان من اعظم الامور لجلب السرور .... الرضا بالمقدور واجتناب المحذور
فلا تأسف علي ما فات فقد مات و ان يكن كنز من الذهب و الجنيهات
واترك المستقبل حتي يقبل و لا تحمل حمه و تثقل
ولا تهتم بكلام الحساد فلا يحسد الا من ساد وحظي بالاسعاد
وعليك بالاذكار فهي تحفظ الاعمار و تدفع الاشرار و هي انس الابرار
وعليك بالقناعه فهي اربح البضاعه
واملا قلبك بالصدق واشغل نفسك بالحق والا شغلته بالباطل و اصبحت كالعاطل
وفكر في نعم الله عليك وكيف ساقها اليك
من صحه في بدن وراحه في سكن و مواهب وفطن مع ما صرف من المحن و سلم من الفتن
واسأل نفسك بالنعم التي في يديك
هل تشتري كنوز الدنيا بعينيك؟ او مال قارون بيديك؟
او قصر الزهراء برجليك؟ وهل تشتري ملك كسري بانفك ولسانك و فيك؟
مع نعمة الاسلام ومعرفتك للحلال و الحرام وطاعتك للملك العلام ثم اعطاك مالا ممدودا و بنين شهودا ومهد لك تمهيدا وقد كنت وحيدا شريدا و اذكر نعمة الغذاء و الماء والهواء و الدواء و الكساء و الضياء و الهناء مع صرف البلاء و دفع الشقاء
ثم افرح بما جري عليك من اقدار فلا تعلم ما فيها من اسرار
فقابل النعمه بالشكر و البلية بالصبر و اذا صبحت فلا تنتظر المساء
واغفر لكل من قصر في حقك و اساء
وانهمك في العمل فهو يمحي الملل و احمد ربك علي العيشة الكافيه و الساعه الصافيه
فكم في الارض من وحيد و شريد و طريد و فقيد
وكم في الارض من مال سلب و ملك نهب ...... وكم من مسجون و مجنون ومديون و مفتون
وكم من سقيم و عقيم و يتيم ومن يلازمه الغريم والمرض الاليم
واعلم ان لكل باب من الغم مفتاح للسرور
للذنب ربي غفور و الفلك يدور وانت لا تعلم عاقبة الامور
وملك كسري لا تغني عنه كسرة
فيكفي من البحر قطرة فلا تذهب نفسك حسرة ولا تتوقع الحوادث و لا تنتظر الكوارث ولا تحرو نفسك لتجمع للوارث
ويغنيك عن الدنيا مصحف شريف وبيت لطيف و كوب ماء و رغيف و ثوب نظيف
والعزله مملكة الافكار و الدواء في صيدلية الاذكار
واذا اصبحت طاءعا لربك وغناك في قلبك وانت امن في سربك راض بكسبك
فقد حصلت علي السعاده و نلت الزياده و بلغت السياده
فلما انتهي من وعظه اعجب بلفظه وحسن لحظه
وقال له: جزاك الله عني خير الجزاء فقد صار كلامك عندي اشرف العزاء...