هو محمد عز الدين بن عبد القادر القسَّام ، ولد عام 1871 م في بلدة جبلة من
قضاء اللاذقية في سوريا ، ونشأ في أسرة مسلمة كريمة ، ودرس بالأزهر في مصر ، والذي كان له دور كبير في ذلك الوقت في بث مبادئ الإسلام ونشرها في كل
أنحاء الوطن الإسلامي ، وبعد انتهاء دراسته بالأزهر رجع إلى بلدته ، وعين مدرساً
بالجامع الكبير ، فغرس في تلاميذه معاني العزة والكرامة ، باثاً فيهم روح الجهاد في
سبيل الله ، ومرشداً إياهم إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة .
وما كادت الحرب العالمية الأولى تضع أوزارها ، حتى وضعت فلسطين
والعراق تحت الانتداب الإنجليزي ، وسوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسى ،
وأعطى وزير خارجية بريطانيا (بلفور) وعده المشؤوم بإنشاء وطن قومي لليهود في
فلسطين وذلك في 2 نوفمبر 1917 م .
في هذه الأثناء انضم الشيخ إلى عمر البيطار ورفاقه لمقاومة الاحتلال
الفرنسي ، واستطاعت فرنسا التغلب عليهم لقلة ذخيرتهم وأسلحتهم ، ولضعف
تنظيمهم ، فصدر عليه حكم بالإعدام ، وفاوضوه على إلغاء ذلك الحكم وتحقيق ما
يتمناه من مال ومنصب فرفض ، ولما اشتدت عليه الملاحقة والطلب رحل إلى
فلسطين في ضاحية الياجور بالقرب من حيفا - والتي كانت قاعدة من قواعد التهويد
في ذلك الحين عام 1922م - وهناك عمل مدرساً بالمدرسة الإسلامية ، ثم انضم
إلى جمعية الشبان المسلمين عام 1926 م ، وانتخب رئيساً لها عام 1928 م
وأصبح مدرساً وخطيباً في جامع الاستقلال عام 1929م ، وفي نفس السنة عين
مأذوناً شرعياً ، وقام بتأسيس مدرسة ليلية لمحو الأمية .
وقد مكنته كل هذه الأعمال من الاتصال بكافة طبقات الأمة ، فبدأ بتأليف
القلوب ، ونشر المحبة ، وإزالة الخصومات ونبذ الأحقاد ، وتعميق الوازع الديني
في النفوس ، والتوعية بمؤامرات الحكومة البريطانية على فلسطين ، والتوعية
بمخاطر هجرة وبيع الأراضي ، وعمل على تكوين قاعدة إيمانية صلبة من
المجاهدين ضد أعداء الله سبحانه وتعالى وأعداء رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وكان يتصف بقوة الإيمان ، وحسن السيرة والمعاشرة ، وكان لبقاً وخطيباً بارعاً ،
وعاقلاً يدرك ماذا يصنع ويفهمه كل الفهم ، غير متسرع ولا مندفع ، وكان يلوم
بعض المشايخ وطلبة العلم على أمور منها :
- محاولاتهم وسعيهم الحثيث إلى تجويف الدين وجعله هياكل نظرية مفرغة .
- إبعاد الدين عن السياسة ، واقتصارهم على المواعظ النظرية فقط .
- إغراقهم في التنعم بعيشهم بينما غالبية الشعب تعاني من الفقر والحاجة .
- عدم دعوتهم إلى الجهاد وطرد الإنجليز والصهاينة .
- إنفاق الأموال في تزيين المساجد وزخرفتها بدلاً من الإعداد للجهاد .
فالتف حوله الناس وساعدوه ، وزاد أيضاً عدد الجواسيس عليه ، وفي عام
1925 م أسس ( المنظمة الجهادية ) ، وبدأت عملها في سرية بالتحريض على
الجهاد ، والتدريب عليه ، وقسمت هذه المنظمة إلى خمس مجموعات هي :
المجموعة الفدائية (أو وحدة التدريب العسكري) ، ومجموعة التهيئة والأعداد ،
ومجموعة التمويل ، ومجموعة الوعظ والدعاية ، والمجموعة السياسية .
وفي عام 1935 رفع الشيخ راية الجهاد - وكان عمره قد تجاوز الستين -
وترك حيفا إلى جبال جنين القريبة منها . وكانت خطته أن يتوزع رجاله على قرى
المناطق الجبلية حتى يضموا إليهم أكبر عدد من المجاهدين ، فإذا اكتمل العدد الذي
يريده هاجم مدينة حيفا واحتل دوائر الحكومة ومراكز الشرطة والميناء ، وبعد أن
يستتب له الأمر يعلن قيام حكومته ، ويقوم أعوانه في المدن الأخرى بمثل ذلك .
وبعد يومين فقط ، وقبل أن يتم له ذلك ، قتل أحد أعوانه فرداً من دورية
شرطة (يهودي) ، فهاجمت قوات كبيرة جميع القرى المجاورة ، فاشتبك معهم أعوان
القسام ، وقتل اثنان من أفراد الشرطة ، فأدركوا أن الجهاد الحاسم على وشك
الاستنفار ، فأرسلت نجدات إلى تلك المناطق تساندها طائرات استكشافية ،
فحاصروا الشيخ ومعه مجموعة من أعوانه ، ودارت معركة أبلى فيها وأتباعه بلاءً
حسنًا ، وكان في مقابل كل مجاهد أربعين جندياً ، وقتل ومعه الشيخان محمد الحنفي
ويوسف الزيباوي ، وجرح ثلاثة وتمكن الباقون من الإفلات .
وصلى عليه وعلى رفاقه جمع غفير ، وصلى عليه الناس صلاة الغائب في
كل مكان . وحمل الراية من بعده إخوانه وتلاميذه ومنهم الشيخ فرحان السعدي ،
ومحمد صالح الحمد (أبو خالد) ، وعطية أحمد عوض ، ويوسف سعيد أبو درة ،
وعبد الله الأصبح ، وحسين العليّ الزبيدي ، وتوفيق إبراهيم (أبو إبراهيم الصغير) ، وأحمد عبد الرحمن جابر ، وغيرهم .
ولم تمض شهور قليلة على قتله حتى كانت فلسطين كلها تغلي وتضرب من
أقصاها إلى أقصاها أطول إضراب في التاريخ ، والذي لم ينته إلا حينما تدخل
الملوك العرب على أمل أن تتفهم حليفتهم بريطانيا مطالب الفلسطينيين ، وكان
تدخلهم هذا مشفوعاً بتضييق الخناق على المجاهدين الذين أصبحوا في حاجة إلى
السلاح والذخيرة ، والغذاء والدواء .
وها هي الأرض - اليوم - تشتعل غضباً على اليهود ، وإخواننا هناك
يحتاجون إلى السلاح والذخيرة بدلاً من الحجارة والزجاجات الحارقة ، ويحتاجون
إلى الغذاء والدواء بعد أن ضيق عليهم اليهود الخناق ، ويحتاجون إلى الرجال
لمناصرتهم ، ويحتاجون إلى الدعاة لشحذ هممهم ، وبالجملة يحتاجون إلى الدعم ...
فهل نخذلهم ؟ ! .
لقد كان القسام بحق علماً للجهاد في فلسطين ، فرحمه الله ، وأنزلنا وإياه
منازل الشهداء ، ومنَّ على المسلمين بالعزة والنصر .
________________________
منقووووووول